فصل: قال ابن عطية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.قال ابن العربي:

قَوْله تَعَالَى: {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلَعَذَابُ الْآخِرَةِ أَخْزَى وَهُمْ لَا يُنْصَرُونَ} فِيهَا مَسْأَلَتَانِ:
المسألة الْأُولَى:
قَالَ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ: يَعْنِي شَدَائِدَ لَا خَيْرَ فِيهَا، وَكَذَلِكَ رَوَى عَنْهُ ابْنُ الْقَاسِمِ.
وَقَالَ زَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ وَإِنَّمَا ذَكَرَ ذَلِكَ مَالِكٌ رَدًّا عَلَى مَنْ يَقُولُ: إنَّ النَّحْسَ الْغُبَارُ، وَلَوْ كَانَ الْغُبَارُ نَحْسًا لَكَانَ أَقَلَّ مَا أَصَابَهُمْ مِنْ نَحْسٍ، وَكَذَلِكَ مَنْ قَالَ: إنَّهَا مُتَتَابِعَاتٌ لَا يَخْرُجُ مِنْ لَفْظِ قَوْله تَعَالَى: {نَحِسَاتٍ}.
وَإِنَّمَا عُرِفَ التَّتَابُعُ مِنْ قَوْله تَعَالَى: {سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا} الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ قِيلَ: إنَّهَا كَانَتْ آخِرَ شَوَّالٍ مِنْ الْأَرْبِعَاءِ إلَى الْأَرْبِعَاءِ، وَالنَّاسُ يَكْرَهُونَ السَّفَرَ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ لِأَجْلِ هَذِهِ الرِّوَايَةِ؛ لَقِيت يَوْمًا مَعَ خَالِي الْحُسَيْنِ بْنِ حَفْصٍ رَجُلًا مِنْ الْكتاب فَوَدَّعْنَاهُ بِنِيَّةِ السَّفَرِ، فَلَمَّا فَارَقَنَا قَالَ لِي خَالِي: إنَّك لَا تَرَاهُ أَبَدًا لِأَنَّهُ سَافَرَ يَوْمَ أَرْبِعَاءٍ لَا يَتَكَرَّرُ، وَكَذَلِكَ كَانَ: مَاتَ فِي سَفَرِهِ، وَهَذَا مَا لَا أَرَاهُ، فَإِنَّ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ يَوْمٌ عَجِيبٌ بِمَا جَاءَ فِي الْحَدِيثِ مِنْ الْخَلْقِ فِيهِ، وَالتَّرْتِيبِ؛ فَإِنَّ الْحَدِيثَ ثَابِتٌ بِأَنَّ اللَّهَ خَلَقَ يَوْمَ السَّبْتِ التُّرْبَةَ، وَيَوْمَ الْأَحَدِ الْجِبَالَ، وَيَوْمَ الِاثْنَيْنِ الشَّجَرَ، وَيَوْمَ الثُّلَاثَاءِ الْمَكْرُوهَ، وَيَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ النُّورَ، وَرُوِيَ: النُّونُ وَفِي الْحَدِيثِ: إنَّهُ خَلَقَ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ غُرَّةَ التِّقْنِ، وَهُوَ كُلُّ شَيْءٍ أُتْقِنَ بِهِ الْأَشْيَاءُ يَعْنِي الْمَعَادِنَ مِنْ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالنُّحَاسِ وَالْحَدِيدِ وَالرَّصَاصِ فَالْيَوْمُ الَّذِي خَلَقَ فِيهِ الْمَكْرُوهَ لَا يَعَافُهُ النَّاسُ، وَالْيَوْمُ الَّذِي خَلَقَ فِيهِ النُّورَ أَوْ التِّقْنَ يَعَافُونَهُ، إنَّ هَذَا لَهُوَ الْجَهْلُ الْمُبِينُ.
وَفِي الْمَغَازِي أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دَعَا عَلَى الْأَحْزَابِ مِنْ يَوْمِ الِاثْنَيْنِ إلَى يَوْمِ الْأَرْبِعَاءِ بَيْنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ، فَاسْتُجِيبَ لَهُ، وَهِيَ سَاعَةٌ فَاضِلَةٌ؛ فَالْآثَارُ الصِّحَاحُ دَلِيلٌ عَلَى فَضْلِ هَذَا الْيَوْمِ، وَكَيْفَ يُدَّعَى فِيهِ تَغْرِيرُ النَّحْسِ بِأَحَادِيثَ لَا أَصْلَ لَهَا، وَقَدْ صَوَّرَ قَوْمٌ أَيَّامًا مِنْ الْأَشْهُرِ الشَّمْسِيَّةِ ادَّعَوْا فِيهَا الْكَرَامَةَ؛ لَا يَحِلُّ لِمُسْلِمٍ أَنْ يَنْظُرَ إلَيْهَا، وَلَا يَشْتَغِلَ بِآلَاتِهَا، وَاَللَّهُ حَسِيبُهُمْ. اهـ.

.قال ابن عطية:

{فَإِنْ أَعْرَضُوا فَقُلْ أَنْذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ (13)} المعنى: فإن أعرضت قريش والعرب الذين دعوتهم إلى الله عن هذه الآيات البينة، فأعلمهم بأنك تحذرهم أن يصيبهم من العذاب الذي أصاب الأمم التي كذبت كما تكذب هي الآن.
وقرأ جمهور الناس: {صاعقة مثل صاعقة عاد وثمود} وقرأ النخعي وأبو عبد الرحمن وابن محيصن {صعقة مثل صعقة} فأما هذه القراءة الأخيرة فبينة المعنى، لأن الصعقة: الهلاك يكون معها في الأحيان قطعة نار، فشبهت هنا وقعة العذاب بها، لأن عادًا لم تعذب إلا بريح، وإنما هذا تشبيه واستعارة، وبالوقيعة فسر هنا الصاعقة، قال قتادة وغيره. وخص عادًا وثمود بالذكر لوقوف قريش على بلادها في اليمن وفي الحجر في طريق الشام.
وقوله: {من بين أيديهم} أي قد تقدموا في الزمن واتصلت نذارتهم إلى أعمار عاد وثمود، وبهذا الاتصال قامت الحجة.
وقوله: {من خلفهم} أي جاءهم رسول بعد اكتمال أعمارهم وبعد تقدم وجودهم في الزمن، فلذلك قال: {ومن خلفهم} وجاء من مجموع العبارة إقامة الحجة عليهم في أن الرسالة والنذارة عمَّتهم خبرًا ومباشرة، ولا يتوجه أن يجعل {ومن خلفهم} عبارة عما أتى بعدهم في الزمن، لأن ذلك لا يلحقهم منه تقصير، وأما الطبري فقال: الضمير في قوله: {ومن خلفهم} عائد على الرسل، والضمير في قوله: {من بين أيديهم} على الأمم، وتابعه الثعلبي، وهذا غير قوي لأنه يفرق الضمائر ويشعب المعنى. و{أن} في قوله: {ألا تعبدوا} نصب على إسقاط الخافض، التقدير: بأن. و{تعبدوا} مجزوم على النهي، ويتوجه أن يكون منصوبًا على أن تكون {لا} نافية، وفيه بعد. وكان من تلك الأمم إنكار بعثة البشر واستدعاء الملائكة، وهذه أيضًا كانت من مقالات قريش.
وقوله: {فإنا بما أرسلتم به} ليس على جهة الإقرار بأنهم أرسلوا بشيء، وإنما معناه على زعمكم ودعواكم. ثم وصف حالة القوم، وأن عادًا طلبوا التكبر ووضعوا أنفسهم فيه بغير حق، بل بالكفر والمعاصي وغوتهم قوتهم وعظم أبدانهم والنعم فقالوا على جهة التقرير: {من أشد منا قوة} فعرض الله تعالى موضع النظر بقوله: {أو لم يروا} الآية، وهذا بين في العقل، فإن للشيء المخترع له المذهب متى شاء هو أقوى منه، وأخبر تعالى عنهم بجحودهم بآياته المنصوبة للنظر والمنزلة من عنده، إذ لفظ الآيات يعم ذلك كله في المعنى.
{فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا فِي أَيَّامٍ نَحِسَاتٍ لِنُذِيقَهُمْ عَذَابَ الْخِزْيِ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا} روي في الحديث «أن الله تعالى أمر خزنة الريح ففتحوا على عاد منها مقدار حلقة الخاتم، ولو فتحوا مقدار منخر الثور لهلكت الدنيا» وروي أن الريح كانت ترفع العير بأوقارها فتطيرها حتى تطرحها في البحر. وقال جابر بن عبد الله والتيمي: حبس عنهم المطر ثلاثة أعوام، وإذا أراد الله بقوم شرًا حبس عنهم المطر وأرسل عليهم الرياح.
واختلف الناس في الصرصر، فقال قتادة والسدي والضحاك: هو مأخوذ من الصر، وهو البرد، والمعنى: ريحًا باردة لها صوت. وقال مجاهد: صرصر: شديدة السموم. وقال الطبري وجماعة من المفسرين: هو من صر يصر إذا صوت صوتًا يشبه الصاد والراء، وكذلك يجيء صوت الريح في كثير من الأوقات بحسب ما تلقى.
وقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو والأعرج وعيسى والنخعي: بسكون الحاء وهو جمع نحس، يقال يوم نحس، فهو مصدر يوصف به أحيانًا وعلى الصفة به جمع في هذه الآية، واحتج أبو عمرو لهذه القراءة بقوله: {يوم نحس مستمر} [القمر: 19]. وقال النخعي: {نحسات} وليست ب {نحِسات} بكسر. وقرأ الباقون وأبو جعفر وشيبة وأبو رجاء وقتادة والجحدري والأعمش: {نحِسات} بكسر الحاء، وهي جمع لنحس على وزن حذر، فهو صفة لليوم مأخوذ من النحس. وقال الطبري: نحس ونحس لغتان، وليس كذلك، بل اللغة الواحدة تجمعهما، أحدهما مصدر، والآخر من أمثلة اسم الفاعل، وأنشد الفراء: البسيط.
أبلغ جذامًا ولخمًا أن إخوتهم ** طيا وبهراء قوم نصرهم نحس

وقالت فرقة: إن {نحْسات} بالسكون مخفف من {نحِسات} بالكسر، والمعنى في هذه اللفظة مشاييم من النحس المعروف، قاله مجاهد وقتادة والسدي: وقال الضحاك معناه: شديدة، أي شديدة البرد حتى كان البرد عذابًا لهم. قال أبو علي: وأنشد الأصمعي في النحس بمعنى البرد:
كأن سلافة عرضت بنحس ** يحيل شفيفها الماء الزلالا

وقال ابن عباس: {نحسات} معناه: متتابعات، وكانت آخر شوال من الأربعاء إلى الأربعاء وعذاب الخزي في الدنيا هو العذاب بسبب الكفر ومخالفة أمر الله، ولا خزي أعظم من هذا إلا ما في الآخرة من الخلود في النار.
وقرأ جمهور الناس: {ثمودُ} بغير حرف، وهذا على إرادة القبيلة. وقرأ يحيى بن وثاب والأعمش وبكر بن حبيب: {ثمودٌ} بالتنوين والإجراء، وهذا على إرادة الحي، وبالصرف كان الأعمش يقرأ في جميع القرآن إلافي قوله: {وآتينا ثمود الناقة مبصرة} [الإسراء: 59] لأنه في المصحف بغير ألف.
وقرأ ابن أبي إسحاق والأعرج بخلاف، والأعمش وعاصم {ثمودَ} بالنصب، وهذا على إضمار فعل يدل عليه قوله: {فهديناهم}، وتقديره عند سيبويه: مهما يكن من شيء فهدينا ثمود هديناهم، والرفع عنده أوجه، وروي عن ابن أبي إسحاق والأعمش: {ثمودًا} منونة منصوبة، وروى الفضل عن عاصم الوجهين.
وقوله تعالى: {فهديناهم} معناه: بينّا لهم، قاله ابن عباس وقتادة وابن زيد، وليس الهدى هنا بمعنى الإرشاد، وهذا كما هي الآن شريعة الإسلام مبينة لليهود والنصارى المختلطين لنا ولكنهم يعرضون ويشتغلون بالصد، فذلك استحباب العمى على الهدى.
وقوله تعالى: {فاستحبوا} عبارة عن تكسبهم في العمى، وإلا فهو بالاختراع لله تعالى، ويدلك على أنها إشارة إلى تكسبهم قوله تعالى: {بما كانوا يكسبون}.
وقوله تعالى: {العذاب الهون} وصف بالمصدر، والمعنى الذي معه هوان وإذلال، ثم قرن تعالى بذكرهم ذكر من آمن واتقى ونجاته ليبين الفرق. اهـ.

.قال القرطبي:

قوله تعالى: {فَإِنْ أَعْرَضُواْ} يعني كفار قريش عما تدعوهم إليه يا محمد من الإيمان.
{فَقُلْ أَنذَرْتُكُمْ صَاعِقَةً مِّثْلَ صَاعِقَةِ عَادٍ وَثَمُودَ} أي خوفتكم هلاكًا مثل هلاك عاد وثمود.
{إِذْ جَاءَتْهُمُ الرسل مِن بَيْنِ أَيْدِيهِمْ وَمِنْ خَلْفِهِمْ} يعني من أرسل إليهم وإلى من قبلهم {أَلاَّ تعبدوا إِلاَّ الله} موضع {أَنْ} نصب بإسقاط الخافض أي ب {أَلاَّ تَعْبُدُوا} و{قَالُواْ لَوْ شَاءَ رَبُّنَا لأَنزَلَ مَلاَئِكَةً} بدل الرسل {فَإِنَّا بِمَا أرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ} من الإنذار والتبشير.
قيل: هذا استهزاء منهم.
وقيل: إقرار منهم بإرسالهم ثم بعده جحود وعناد.
قوله تعالى: {فَأَمَّا عَادٌ فاستكبروا فِي الأرض} على عباد الله هود ومن آمن معه {بِغَيْرِ الحق وَقَالُواْ مَنْ أَشَدُّ مِنَّا قُوَّةً} اغتروا بأجسامهم حين تهدّدهم بالعذاب، وقالوا: نحن نقدر على دفع العذاب عن أنفسنا بفضل قوّتنا.
وذلك أنهم كانوا ذوي أجسام طوال وخلق عظيم.
وقد مضى في الأعراف عن ابن عباس: أن أطولهم كان مائة ذراع وأقصرهم كان ستين ذراعًا.
فقال الله تعالى ردًّا عليهم: {أَوَلَمْ يَرَوْاْ أَنَّ الله الذي خَلَقَهُمْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُمْ قُوَّةً} وقدرة، وإنما يقدر العبد بإقدار الله، فالله أقدر إذًا.
{وَكَانُواْ بِآيَاتِنَا يَجْحَدُونَ} أي بمعجزاتنا يكفرون.
قوله تعالى: {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ رِيحًا صَرْصَرًا} هذا تفسير الصاعقة التي أرسلها عليهم، أي ريحًا باردة شديدة البرد وشديدة الصوت والهبوب.
ويقال: أصلها صَرَّرَ من الصِّر وهو البرد فأبدلوا مكان الراء الوسطى فاء الفعل؛ كقولهم كَبْكَبوا أصله كبَبَّوا، وتَجَفْجَفَ الثوبُ أصله تجفَّف.
أبو عبيدة: معنى صَرْصَر: شديدة عاصفة.
عكرمة وسعيد بن جبير: شديدة البرد.
وأنشد قُطْرُب قول الحطيئة:
المُطْعِمون إذا هَبّتْ بصَرْصَرةٍ ** والحامِلون إذا اسْتُودُوا على النَّاسِ

استودوا: إذا سئلوا الدية.
مجاهد: الشديدة السموم.
وروى معمر عن قتادة قال: باردة.
وقاله عطاء؛ لأن {صَرْصَرًا} مأخوذ من صرّ والصرّ في كلام العرب البرد كما قال:
لها عُذَرٌ كقُرون النِّسا ** ءِ رُكِّبْنَ في يومِ ريح وصِرْ

وقال السدي: الشديدة الصّوت.
ومنه صَرّ القلمُ والباب يصِرّ صرِيرًا أي صَوَّت.
ويقال: درهم صَرِّيٌّ وصِرِّيٌّ للذي له صوت إذا نُقِد.
قال ابن السِّكيّت: صَرْصَرْ يجوز أن يكون من الصِّر وهو البرد، ويجوز أن يكون من صرِير الباب، ومن الصَّرة وهي الصيحة.
ومنه {فَأَقْبَلَتِ امرأته فِي صَرَّةٍ} [الذاريات: 29].
وصَرْصَرْ اسم نهر بالعراق.
{في أَيَّامٍ نَّحِسَاتٍ} أي مشؤومات؛ قاله مجاهد وقتادة.
كنّ آخر شوّال من يوم الأربعاء إلى يوم الأربعاء وذلك {سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ حُسُومًا} [الحاقة: 7] قال ابن عباس: ما عذب قوم إلا في يوم الأربعاء.
وقيل؛ {نَحِسَاتٍ} باردات؛ حكاه النقاش.
وقيل: متتابعات؛ عن ابن عباس وعطية.
الضحاك: شِداد.
وقيل: ذات غبار؛ حكاه ابن عيسى.
ومنه قول الراجز:
قدِ اغْتَدى قبلَ طُلوعِ الشَّمسِ ** لِلصَّيْدِ في يَوْمٍ قَليلِ النَّحْسِ

قال الضحاك وغيره: أمسك الله عنهم المطر ثلاث سنين، ودرّت الرياح عليهم في غير مطر، وخرج منهم قوم إلى مكة يستسقون بها للعباد، وكان الناس في ذلك الزمان إذا نزل بهم بلاء أو جهد طلبوا إلى الله تعالى الفرج منه، وكانت طلبتهم ذلك من الله تعالى عن بيته الحرام مكة مسلمهم وكافرهم، فيجتمع بمكة ناس كثير شتى، مختلفة أديانهم، وكلهم مُعظِّم لمكة، عارف حرمتها ومكانها من الله تعالى.
وقال جابر بن عبد الله التيمي: إذا أراد الله بقوم خيرًا أرسل عليهم المطر وحبس عنهم كثرة الرياح، وإذا أراد الله بقوم شرًا حبس عنهم المطر وسلط عليهم كثرة الرياح.
وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو {نَحْسَاتٍ} بإسكان الحاء على أنه جمع نحس الذي هو مصدر وصف به.
الباقون: {نَحِسَاتٍ} بكسر الحاء أي ذوات نحس.
ومما يدل على أن النحس مصدر قوله: {فِي يَوْمِ نَحْسٍ مُّسْتَمِرٍّ} [القمر: 19] ولو كان صفة لم يضف اليوم إليه؛ وبهذا كان يحتج أبو عمرو على قراءته؛ واختاره أبو حاتم.
واختار أبو عبيد القراءة الثانية وقال: لا تصح حجة أبي عمرو؛ لأنه أضاف اليوم إلى النحس فأسكن، وإنما كان يكون حجة لو نوّن اليوم ونعت وأسكن؛ فقال: {فِي يَوْمٍ نَحْسٍ} وهذا لم يقرأ به أحد نعلمه.
وقال المهدوي: ولم يسمع في {نَحْسٍ} إلا الإسكان.
قال الجوهري: وقرئ في قوله: {فِي يَوْمِ نَحْسٍ} على الصفة، والإضافة أكثر وأجود.
وقد نحِس الشيء بالكسر فهو نحس أيضًا؛ قال الشاعر:
أبلِغ جذاما ولَخْما أنّ إخوتهم ** طَيًّا وبَهْراء قوم نصرهم نحِس

ومنه قيل: أيام نَحِسَاتٍ.
{لِّنُذِيقَهُمْ} أي لكي نذيقهم {عَذَابَ الخزي فِي الحياة الدنيا} بالريح العقيم.
{وَلَعَذَابُ الآخرة أخزى} أي أعظم وأشدّ {وَهُمْ لاَ يُنصَرُونَ}.
قوله تعالى: {وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ} أي بينا لهم الهدى والضلال؛ عن ابن عباس وغيره.
وقرأ الحسن وابن أبي إسحاق وغيرهما {وَأَمَّا ثَمُودَ} بالنصب وقد مضى الكلام فيه في الأعراف.
{فاستحبوا العمى عَلَى الهدى} أي اختاروا الكفر على الإيمان.
وقال أبو العالية: اختاروا العمى على البيان.
السدي: اختاروا المعصية على الطاعة.
{فَأَخَذَتْهُمْ صَاعِقَةُ العذاب الهون} {الْهُونِ} بالضم الهوان.
وهون بن خُزَيْمة بن مدركة بن إلياس بن مُضَر أخو كنانة وأسد.
وأهانه: استخف به.
والاسم الهوان والمهانة.
وأضيف الصاعقة إلى العذاب، لأن الصاعقة اسم للمبيد المهلك، فكأنه قال مهلك العذاب؛ أي العذاب المهلك.
والهون وإن كان مصدرًا فمعناه الإهانة والإهانة عذاب، فجاز أن يجعل أحدهما وصفًا للآخر؛ فكأنه قال: صاعقة الهون.
وهو كقولك: عندي علم اليقين، وعندي العلم اليقين.
ويجوز أن يكون الهون اسمًا مثل الدون؛ يقال؛ عذاب هون أي مُهين؛ كما قال: {مَا لَبِثُواْ فِي العذاب المهين} [سبأ: 14].
وقيل: أي صاعقة العذاب ذي الهون.
{بِمَا كَانُواْ يَكْسِبُونَ} من تكذيبهم صالحًا وعقرهم الناقة، على ما تقدّم.
{وَنَجَّيْنَا الذين آمَنُواْ} يعني صالحًا ومن آمن به؛ أي ميزناهم عن الكفار، فلم يحلّ بهم ما حلّ بالكفار، وهكذا يا محمد نفعل بمؤمني قومك وكفارهم. اهـ.